الشاعر المتنبي
من ابو الطيب المتنبي
أَبُو اَلطَّيِّبْ أَحْمَدْ بْنْ اَلْحُسَيْنْ اَلْجَعْفِي اَلْكَنَدِيَّ اَلْكُوفِيِّ المعروف بِالْمُتَنَبِّي والمُلقب بِشَاعِرِ اَلْعَرَبِ ولد في الكوفة العراق له مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب بعد الإسلام، فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء.
المتنبي سمّاه العرب “أشعرَ العرب”، والّذي لمْ يتعرّف على هذا الشّاعر لا يخفى عليهِ أبداً حكمتهُ الشهيرة: ماكلُّ ما يتمنّى المرءُ يدركُهُ.. تجري الرّياحُ بما لا تشتهي السّفنُ.
شعر المتنبي في الغزل
غزل المتنبي لمحبوبته الغامضةِ والّتي يصفُها في اشعارِهِ دونَ الايحاءِ إلی من تكون:
هامَ الفؤادُ بأعرابيّةٍ سكنتْ
بيتاً من القلبِ لمْ تمدد لهُ طنبا
ﻛﺄﻧّﻬﺎ ﻛﺎﻟﺸّﻤﺲِ ﻳُﻌﻴﻲكفَّ ﻗﺎﺑِﻀِﻪ
ﺷﻌﺎﻋﻬﺎ ﻭﻳﺮﺍﻩُ ﺍﻟﻄّﺮﻑ ﻣﻘﺘﺮﺑﺎ
بحرٌ عجائبه ﻟﻢ ﺗُﺒْﻖِ ﻓﻲ سمرٍ
ﻭﻻ ﻋَﺠﺎئب ﺑﺤﺮٍ ﺑَﻌﺪَﻫﺎ ﻋَﺠَﺒَﺎ
أنَّ أبي الطيّب أحبَّ خولةَ وهيَ أختُ سيفِ الدولةِ الحمداني الّذي لم تكنْ علاقته بالمتنبي علاقةَ ملكٍ بشاعر إنّما علاقة منْ نوعِ الصّداقة. وبانتْ مشاعرُ الحبِّ الدفين في رثاءِ خولة عندما بلغهُ نبأ وفاتِها:
ﻳﺎ ﺃُﺧﺖَ ﺧَﻴﺮِ ﺃَﺥٍ ﻳﺎ ﺑِﻨﺖَ ﺧَﻴﺮِ ﺃَﺏٍ
ﻛِﻨﺎﻳَﺔً ﺑِﻬِﻤﺎ ﻋَﻦ ﺃَﺷﺮَﻑِ ﺍﻟﻨَﺴَﺐِ
ﺟِﻞُّ ﻗَﺪﺭَﻙِ ﺃَﻥ ﺗُﺴﻤﻰ ﻣُﺆَﺑَّﻨَﺔً
ﻭَﻣَﻦ ﻳَﺼِﻔﻚِ ﻓَﻘَﺪ ﺳَﻤّﺎﻙِ ﻟِﻠﻌَﺮَﺏِ
ﻻ ﻳَﻤﻠِﻚُ ﺍﻟﻄَﺮِﺏُ ﺍﻟﻤَﺤﺰﻭﻥُ ﻣَﻨﻄِﻘَﻪُ
ﻭَﺩَﻣﻌَﻪُ ﻭَﻫُﻤﺎ ﻓﻲ ﻗَﺒﻀَﺔِ ﺍﻟﻄَﺮَﺏِ
ﻏَﺪَﺭﺕَ ﻳﺎ ﻣَﻮﺕُ ﻛَﻢ ﺃَﻓﻨَﻴﺖَ ﻣِﻦ ﻋَﺪَﺩ
ِ ﺑِﻤَﻦ ﺃَﺻَﺒﺖَ ﻭَﻛَﻢ ﺃَﺳﻜَﺖَّ ﻣِﻦ ﻟَﺠَﺐِ
وتظهرُ عاطفةُ الشّاعرِ الصّادقةِ العفويّةِ والّتي تنسكبُ فيها الكلماتُ جرّاءَ حزنٍ عميقٍ وصدمةٍ عارمة اجتاحَتْ قلبَهُ لموتُ خولة:
لماذا سمي المتنبي بهذا الاسم؟
تختَلفُ الأقوال في سبب تسمية المُتنبّي باسمه هذا، فقد قيل في ذلك الآتي:
لُقِّب المتنبّي بهذا الّلقب لما قيل عنه من ادّعاء النبّوة في شبابه، وقد لقيَ عِقاب ادّعائه من والي حمص فسُجِن؛ إلّا أنّ هذه الرواية مُلفّقة لا صحّة لها، وقد وُضعت بعد زمنٍ من وفاة المتنبّي بحسب الأديب المصري أبو فهرٍ محمود محمّد شاكر، الذي تتبع روايات النبوة كلها.
لُقِّب المتنبّي بهذا الّلقب لما وردَ عنه من ورعٍ في خُلقه، فقد كان آخذاً نفسه بالجدّ ومُنصرفاً للعلم مبتعداً عن الفواحش، وقد حظيَ بمنزلةٍ عظيمة عند عُلماء الأدب واللغة والنحو؛ أمثال الربعي وابن جني وأبي علي الفارسي، وقد كان مُكثراً من ذِكر الأنبياء في شعره، مُشبِّها نفسه بهم، ومُقارناً أخلاقَ من يمدحهم بأخلاقهم، ومن ذلك قوله عن نفسه
مفخرة الادب العربي المتنبي
أنَّ المتنبي مفخرة للأدب العربي؛ فهو شاعر غزير الإنتاج الشعريّ، وصاحب الأمثال السائرة، والحكم البليغة، والمعاني المبتكرة، ولقد ساعده التنقّل بين الأمراء والملوك على تطوير موهبته الشعر
أبو الطيب المتنبي : الشاعر الباحث عن المجد
ظل المتنبي يتنقل مرتحلا في أنحاء البلاد يبحث عن المجد والسؤدد ، ممتلكا طموحا يناطح السحاب ، لكن الحاجة إلى المال كانت تدفعه إلى المدح قصد التكسب ، لكن قلما جاد عليه ممدوحوه بما يرضي نفسه ، ويقول في ذلك :
أين فضلي إذا قنعتُ من الدهـ * ر بعيش معجّل التنكيد
ضاق صدري وطال في طلب الرز * ق قيامي وقل عنه قعودي
ويقول أيضا :
أظمتني الدنيا فلما جئتها * مستسقيا مطرت علي مصائبا
أبو الطيب المتنبي في رحاب سيف الدولة
بعد أن ذاع صيت الشاعر الطموح ، وأبياته التي تسحر الألباب ، وصل صداه إلى أمير حلب سيف الدولة ، فدعاه إلى الانضمام إلى بلاطه ، فقبل المتنبي بشروط وهي : ألا ينشد الأمير وهو واقف وألا يقبل الأرض بين يديه . فوافق الأمير .
ومنذ ذاك الحين أصبح المتنبي شاعر سيف الدولة المقرب ، والمحفوف بكرمه وعطفه ، حيث يصحبه في حله وترحاله ، الشيء الذي أوغر صدور سائر الشعراء والأدباء حقدا وحسدا ، وتمكنوا في النهاية من إشعال الفتنة بينه وبين الأمير ، فرحل غاضبا متوجها إلى دمشق .
وفي ذلك يقول :
أزل حسد الحساد عني بكبتهم * فأنت الذي صيّرتهم لي حُسّدا
ويقول أيضا :
وفي كل يوم تحت ضبني شويعر * ضعيف يقاويني قصير يطاول
أبو الطيب المتنبي في رحاب كافور الإخشيدي
بعد رحيل المتنبي عن بلاط سيف الدولة ، توجه إلى دمشق أين قرر أن يبدأ رحلة جديدة من نشد العلو والطموح اللامتناهي ، فسمع عنه حاكم مصر كافور الإخشيدي ، فضمه إليه وأكرمه ، وقد مدحه المتنبي بقصائد عدة ، وإن لم تكن بقدر ممدوحه الأول .
ولقد خاب ظن شاعرنا وتبددت طموحاته حين لم يهبه كافور ما يسد رغبته التواقة للتملك ، فقد كان هدف شاعرنا أن ينال ضيعة أو إمارة ، وفي ذلك يقول :
إذا لم تنط بي ضيعة أو ولاية * فجودك يكسوني وشغلك يسلب
لكن لم يتأتى له ذلك ، الشيء الذي جعله يحن لأيامه الزاهية رفقة سيف الدولة ، واعتلته رغبة من اليأس والتشاؤم .
وفي ذلك يقول :
ولما صار ود الناس خبا * جَزَيتُ على ابتسام بابتسام
وصرت أشك فيمن أصطفيه * لعلمي أنه بعض الأنام
يقول البرقوقي شارح ديوان المتنبي : ‘ وليس بعيدا أن يكون كافور كره من الشاعر إلحاحه في طلبه ، ومداومته على التذكير بالوعد ، في لغة يصح أن تسمى تأنيبا وتوبيخا ، فصح في عزمه ألا ينيله طلبته . ‘
وفاة المتنبي ( الشاعر الذي قتله شعره )
لم يطب للمتنبي مستقر في أي موضع من الأرض ، لا سيما أنه لم يجد ما يطمح إليه في بلاط كافور ، فقرر الرحيل خفية في ليلة عيد حزينة ، نظم فيها قصيدته المشهورة :
عيد بأي حال عدت يا عيد * بما مضى أم لأمر فيك تجديد
وظل يتنقل ما بين بغداد وفارس ، ينشد العطايا والهبات ، دون أن يمس ذلك بكبريائه ومجده الذي علته ضبابة من السراب البعيد .
هجا الأمير كافور لبخله وتنكره ، وفي ذات الوقت حنّ لأميره الحمداني ، والذي أرسل إليه يدعوه لمرافقته مثل الأيام الخوالي ، لكن نفس شاعرنا أبت إلا أن تنشد أهدافها الشخصية .
وقد كان السبب الرئيسي في وفاة المتنبي – أو بالأحرى مقتله – أنه هجا رجلا يدعى ضبة بكلام فاحش وخاض في عرضه وعرض أمه ، ومن ذلك قوله :
ما أنصف القوم ضبة * وأمه الطرطبة
وإنما قلت ما قلـ * ـت رحمة لا محبة
وما يشق على الكلـ * ـب أن يكون ابن كلبة
وكان لضبة هذا خال يدعى فاتك بن أبي جهل الأسدي ، وكان اسما على مسمى حيث فتك ثأرا وانتقاما بالمتنبي ، حيث تعرض له حين خرج من فارس إلى بلده العراق ، فقتله وابنه وغلامه ، وذلك في أواخر رمضان حولي سنة 965 م .
وبذلك انطفأت شمعة من الكبرياء والعظمة قلما وجدت في شاعر عُرف في تاريخ الأدب العربي ، شاعر قتله شعره ، وظل إلى آخر رمق يدافع عن مبدأ التملك ونشد العلو والسؤدد ، ذلكم كان شاعرنا المتنبي الذي شغل الدنيا والناس .
من مؤلفات المتنبي :
– ديوان المتنبي الكبير الذي يحوي ثمين ما جادت به قريحة الشاعر ، وقد عنى بشرحه : الواحدي – أبو العلاء المعري – ناصيف اليازجي – إبراهيم اليازجي – البرقوقي …وغيرهم ، وتنوعت أغراض ديوانه ما بين مدح ورثاء ، وفخر وهجاء ، وغزل وحكم .
Views: 7