تاريخ و جغرافية

الوقوف على الأطلال في الجاهلية

أسباب الوقوف على الأطلال

البيئة وطبيعة الحياة الجاهلية

معظم الشعراء الجاهليين كانوا يعيشون حياة التنقل الدائم من مكان إلى آخر؛ بسبب الطبيعة الصحراوية الصعبة للبحث عن الماء والغذاء والكلأ، كما أنّ كثيرًا من القبائل كانت تُغير على بعضها الأمر الذي يُسبّب جلاء بعض القبائل عن ديارها، فكان الوقوف على الأطلال وقوفًا مخصوصًا، مثل: وقوف الشاعر على أطلال داره، أو ديار أهله، أو المحبوبة، وقد يكون الوقوف على الأطلال وقوفًا عامًا؛ كالوقوف على أطلال القبيلة.

التعلق بالأماكن

فالشاعر الجاهلي متعلق بأرضه تعلقًا شديدًا، إذ تتجلى في قصائده أسمى المعاني وأصدقها عند الوقوف على أطلال الديار والأماكن، فنجد أنّه يصفها بالتفصيل ويصف ما يدور حولها.

التعلق بالمحبوبة

إنّ الوقوف على أطلال المحبوبة كان من أبرز ما شاع في الشعر الجاهلي، فوقف العديد من الشعراء في مطلع قصائدهم على ذكرى المحبوبة وديارها، ومنهم من اتخذها رمزًا بهدف إطلاق العنان والتعبير عما يجول بخاطره، وللتخفيف عن النفس.

في ضوء ما سبق، كانت ظاهرة الوقوف على الأطلال منسجمة مع بيئة الشعر الجاهلي، ولا نتحدث هنا فقط عن البيئة الطبيعية مثلًا، إنّما البيئة الاجتماعية والثقافية في ذلك العصر، وهذا ما يُفسّر كونها ظاهرة، وأبرز ملامح تأثير البيئة على ظاهرة الوقوف على الأطلال في الشعر الجاهلي وصلتها به فيما يأتي:

حركة الرحيل المستمرة في حياة الشاعر العربي البدوي

إذ جعلته مضطرًّا لترك دياره في كثير من الأحيان، الأمر الذي كان له أثر نفسي كبير على الجانب النفسي؛ إذ يحنّ إلى دياره، فيمرّ عليها ليراها مهجورةً من أصحابها، وقد أصبحت قفرًا وخلوًا من الأهل، كما أنّ مرابع القبيلة تخلو من سكانها وأطفالها ونسائها، ومن أشكال النشاط الإنساني فيها.

  1. اتخاذ الشعر وسيلةً لمواجهة العبء النفسي نتيجة عدم الاستقرار

إذ يُمارس الشاعر نوعًا من الإسقاط على الموجودات والجمادات ويُخاطبها، ويستحضر الصحب معه للوقوف على الأطلال، ويكون هذا الأمر حقيقيًّا أو مجازيًا، إذ يحسّ الإنسان أنّه بحاجة إلى الأصحاب عند الشعور بالوحدة أو الحزن، للرغبة الكبيرة في بث حزنه وشكواه إلى الآخرين للمشاركة فيه، وكي يُخفّف عن كاهله الأعباء.

  1. اعتبار ظاهرة الوقوف على الأطلال بداية للنّسيب

وذلك عند الوقوف على ديار المحبوبة التي باعدَ بينه وبينها طول الشقة وبُعد المسافات، ويُمكن اعتبار هذه الظاهرة بدايةً للفخر عند الوقوف على أطلال الديار التي خاض فيها الشاعر صولات وجولات أظهر فيها براعته القتالية وانتصاراته، وغيرته على الحق ونصرته للمظلوم، وأخذه للثأر وغير ذلك.

  1. التكرار والاستمرار والانسجام

فهي سمات أساسية في أيّة ظاهرة؛ لذلك استمر الشعراء في هذا التقليد الشعري لفترات طويلة استمرت لما بعد العصر الجاهلي إلى أن بدأ بعض الشعراء بالتحرر من هذا التقليد بعد التمدن، فهفوت سطوة القبيلة وتغيرت طبيعة الحياة الاجتماعية والثقافية ونمط الحياة لا سيّما في العصر العباسي

Views: 9

شاركنا رأيك بما رأيت