إن كنت سورياً أو غير سوري فهنالك حزمة من المواقع التي كان ينبغي عليك زيارتها قبل اندلاع الأحداث الأخيرة الدامية في البلاد، لا سيما أن قسماً من تلك المواقع تعرض لتخريب كبير زالت معه إمكانية رؤيتها في الشكل الذي كانت عليه حتى العام 2010.
تقع الجمهورية العربية السورية، وعاصمتها (دمشق)، في شمال غرب القارة الآسيوية، وتتمتع بمناخ متوسطي وبيئة جغرافية متنوعة بشكل كبير، فبينما تنتشر الصحاري والبوادي في شرق البلاد، تنتشر في غربها السلاسل الجبلية الخضراء المتاخمة للساحل السوري؛ فضلاً عن السهول ومجموعة الهضاب التي تقع بين الساحل والبادية.
يجري في سوريا عدد من الأنهار وأبرزها نهري الفرات ودجلة، اللذان يتابعان مسيرهما إلى العراق، حيث قامت على ضفتيهما أغنى وأعظم الحضارات الإنسانيّة التي كانت سبباً لتسمية سوريا بمهد الحضارة.
إن كنت من عشاق الطبيعة الخلابة، أو المواقع التراثية، أو المدن الصاخبة التي يمتزج فيها الماضي بالحاضر، فقد كانت سوريا وجهتك الأنسب! ينبغي التذكير فقط بأنه هنالك عدد هائل من المواقع التي تستحق الزيارة في هذه البلاد، والمواقع الواردة أدناه هي على سبيل الذِكر، وليس على سبيل الحصر:
إليكم الآن عدداً من الأمكنة التي كان ينبغي عليكم زيارتها في سوريا:
1. مدينة دمشق:
إلى جانب (حلب)، تعتبر (دمشق) واحدةً من أقدم مدن العالم التي تم استيطانها عبر أربعة آلاف عام ونيف دون انقطاع، ونظراً للكم الهائل من المباني التاريخية والتراثية، ونظرا لتاريخها الطويل والغني، منذ ما قبل التاريخ وحتى العصور الإسلامية، فقد اختارت (اليونسكو) قلب مدينة (دمشق) القديمة ليكون على لائحة التراث العالمي في العام 1979.
اشتهرت (دمشق) على الدوام بنهرها (بردى) وجبلها (قاسيون) و(غوطاتها) التي كانت أشبه بالواحات الخضراء الغنية الخضرة، والمياه التي كانت مقصد الدمشقيين للاستجمام على مر الزمان.
لقد جاء الغزاة عبر التاريخ إلى (دمشق) من كل حدب وصوب، فغزاها المصريون، والفرس، والإغريق، واليونانيون، والرومان، والفرنجة، والعرب، والمغول.
ذُكرت المدينة في المصادر المسمارية العائدة للألف الثاني قبل الميلاد، وذاع صيتها بشكل خاص خلال الألف الأول لما قبل الميلاد، حيث أضحت مركز مملكة آرامية.
خضعت (دمشق) بعد ذلك للحكم الروماني لمدة 700 عام، وخلال الفترة المسيحية أقام فيها القيصر (تيودوس) كاتدرائية (يوحنا المعمدان) التي قام مكانها فيما بعد المسجد الأموي.
وصل المسلمون إلى (دمشق) في العام 636، واختارها الأمويون فيما بعد لتكون عاصمة لدولتهم.
من أبرز معالم المدينة مسجدها الأموي، حيث ترك الزمان في الرقعة المجاورة للمسجد الأموي أثراً واضحاً يؤكد قدسية هذا المكان، حيث وجِدت هناك من قبل كنيسة (يوحنا المعمدان)؛ وبالقرب من المسجد لاتزال إلى يومنا هذا بقايا معبد (جوبيتر) الروماني الوثني، وقٍيل بوجود معبد لإله الطقس الآرامي حدد في هذا المكان أيضاً.
من المعالم التي لا غنى عن زيارتها أيضاً (قلعة دمشق) العربية، التي تم تشيدها في القرن الثالث عشر واستمر استعمالها كمقر لسكن الحاكم من العهد الأيوبي وحتى العهد العثماني، والـ(بيمارستان) (مشفى) النوري الذي شيده (نور الدين الزنكي) بالإضافة إلى عدد ضخم من المدارس الأثرية وأبرزها (المدرسة العزيزية) التي تضم رفاة (صلاح الدين الأيوبي).
علاوة على ذلك، تضم (دمشق) قصراً مميزا سُمي (قصر العظم) كناية على اسم مؤسسه (أسعد باشا العظم) حاكم (دمشق) خلال القرن الثامن عشر، ويعتبر من أروع نماذج العمارة الدمشقية الأصيلة التي تمتاز بأرض الديار، تتوسطها نافورة، ويحيط بها عدد يسير من الغرف، وتم تحويله إلى متحف للتقاليد الشعبية.
وكما (حلب)؛ تمتاز (دمشق) بسوقها الشهير المسمى سوق (الحميدية) الممتد من (قلعة دمشق) حتى الجامع الأموي، والذي تم تأسيسه في العام 1781، وهو من أطول الأسواق المسقوفة، وتتموضع على جانبيه المحلات التي تبيع البضائع الدمشقية التقليدية.
ولا تكتمل زيارة (دمشق) على أحسن وجه إلا برؤيتها من قمة جبلها (قاسيون)، وبتذوق بوظة (بكداش) الشهيرة والاستمتاع بالشاي الدمشقي الساخن في قهوة (النوفرة)، أو في أحد مقاهي حيّ (باب توما) الشهير.
2. تدمر:
كما يستمتع البعض بقضاء أوقاتهم على شواطئ البحار أو قمم الجبال، فإن هنالك الكثير ممن يستمتعون بقضاء أوقاتهم في الصحاري، ولا سيما إذا كانت هذه الصحاري تضم واحداً من أعرق المواقع الأثرية العالمية مثل (تدمر).
تقع (تدمر) على بعد 270 كم شمال شرق العاصمة دمشق، وتتمتع بموقع جغرافي استراتيجي لكونها تشكل واحة على الطريق بين سواحل البحر المتوسط ونهر (الفرات).
يعود الاستيطان في هذه المنطقة لآلاف السنين قبل الميلاد، بدءا منذ العصور الحجرية، كما ورد ذكرها باسم (تدمر) كمركز تجاري في بعض النصوص المسمارية.
بلغت (تدمر) خلال العصور الرومانية في القرون الأولى للميلاد أوج ازدهارها، وكونت علاقات وثيقة وجيدة مع روما، كم أن أن الكثير من الأوابد الحالية تعود للقرون الأولى للميلاد، ولعل أشهر ملكاتها (زنوبيا) التي تحدت أعتى إمبراطوريات التاريخ حينها، وأعلنت الانفصال عن روما، لا بل وبسطت سيطرتها على المناطق المجاورة.
تضم المدينة عدداً كبيراً من المعالم الأثرية أبرزها شارع (الأعمدة) الذي يبلغ طوله 1.2 كيلومتر ويتوجه قوس النصر، وكأي مدينة رومانيّة؛ تضم (تدمر) مسرحاً يعود للقرن الثالث الميلادي، وعدد من المعابد لهل أبرزها معبد (بل) العائد للقرن الأول الميلادي؛ فضلاً عن مقابرها الملكية.
تعتبر (تدمر) واحدة من أشهر مدن التاريخ التي حافظت على أصالتها رغم عوادي الزمان، ونظراً لذلك ولما تتمتع به (تدمر) من شهرة عالمية، فقد اختارتها اليونسكو لتكون على لائحة التراث العالمي.
بالإضافة إلى متعة السير بين الأوابد، فقد كان بإمكان الزائر ركوب الجمال والتجول بين أشجار نخيلها، والسهر في إحدى خيام (تدمر)، أو فنادقها.
من المدن الشبيهة لـ(تدمر) أيضاً، مدينة (أفاميا) التي تقع على بعد 60 كم شمال غرب (حماة)، وتمتاز بشارعها الطويل المحاط بالأعمدة الرومانية أيضا، والذي يزيد طوله عن 600 متر.
3. كسب ومشقيتا:
للاستمتاع بجمال الجبل وسحر البحر فلا بد من زيارة بلدة (كسب) في أقصى غربي سوريا.
تقع البلدة بين جبال الساحل السوري على ارتفاع 800 متر عن سطح البحر الذي تطل عليه، كما تمتاز بخضرة دائمة تسبغ المكان على مدار العام، مع ينابيع دافقة تنساب من قلب الجبال.
(مشقيتا) هي الأخرى لا تقل سحراً عن كسب ولا تبعد كثيراً عنها، كما تمتاز ببحيراتها الطبيعية، وأشجارها الدائمة الخضرة، وهوائها النقي، وتعتبر من أشهر مصائف سوريا.
4. قلعة الحصن:
سيسحرك المكان حتى تخال نفسك غارقاً في كتاب تاريخ يتلخص بين جدران حصن أثري اختارته اليونيسكو ليكون على قائمة التراث العالمي! لا يقتصر جمال الحصن على روعة الهندسة المعمارية، والحالة الممتازة التي يتمتع بها رغم عوادي الزمان، بل أيضاً الإطلالة الساحرة بين أحضان الطبيعة!
يقع الحصن على تلة يبلغ ارتفاعها 700 متر مع إطلالة تخطف الألباب على جبال الساحل السوري، وذلك على بعد 60 كم عن مدينة (حمص).
تم تشيد الحصن حتى وصل إلى شكله الحالي عبر عدة مراحل استغرقت عشرات السنين، بدءا من النصف الثاني للقرن الحادي عشر بعد الميلاد؛ حيث تم اختيار مكان الحصن من قبل أحد أمراء (حمص) لما يتمتع به من سمات استراتيجية.
بعد وصول الفرنجة إلى المنطقة، قاموا بالاستيلاء على الحصن الصغير، وخلال القرنين الثاني والثالث عشر تم توسيع الحصن بشكل كبير حتى سقط بيد السلطان المملوكي (الظاهر بيبرس) في العام 1271.
يمتاز الحصن بتحصيناته المتينة التي تضم سورين أحدهما خارجي والآخر داخلي، معززين بعدد كبير من الأبراج الدفاعية، كما يضم بداخله خندقاً مائياً، وباحة يتخللها عدد من الأعمدة، وعدداً من القاعات، وسكناً للحاكم.
5. مدينة حلب:
تعتبر (حلب) عاصمة سوريا الاقتصادية، حيث تواجد فيها حتى العام 2010 عدد ضخم من المعامل النسيجية والصناعية المختلفة، وتوجت عاصمةً للثقافة الإسلامية في العام 2006، إلا أن أبرز ما يميز (حلب) هو مدينتها القديمة ذات الطابع القديم، بما تحتويه من أزقة ضيقة، وبيوت عربية، فضلاً عن عدد ضخم من المساجد والكنائس التراثية، والمستشفيات القديمة التي تعود لفترات تاريخيّة مختلفة.
فضلاً عن ذلك، يتواجد في (حلب) عدد من الحمّامات التراثية التي يتم فيها الاستحمام على الطريقة التقليدية الحلبية، باستخدام صابون الغار، وأكياس التفريك كما يسميها أهالي (حلب)؛ ومن أشهر الحمامات حمّام (يلبغا) التراثي، كما يوجد عدد من الـ(بيمارستانات) -مشافي- من أبرزها (البيمارستان الأرغوني) الذي يعود للعصر المملوكي.
تضم المدينة كذلك عدداً من الخانات التي لا زالت تستخدم للأغراض التجارية حتى يومنا هذا، مثل خان (الشونة) وخان (الوزير)، وأجمل ما قد تزوره في (حلب) قلعتها التي تقع على تلّة أثرية، وتشرف على المدينة برمتها! أما إذا أردت شراء الهدايا التراثية فينبغي عليك الذهاب إلى سوق المدينة التراثي، وهو أطول سوق مسقوف في العالم حيث تستمتع بشراء صناديق الخشب، أو صابون غار (حلب) وبهاراتها.
الجدير بالذكر أن اليونيسكو اختارت (حلب) القديمة، والقلعة لتكون على لائحة التراث العالمي أيضاً.
6. جزيرة أرواد:
على بُعد 4 كيلومترات إلى جنوب غرب مدينة (طرطوس) تقع الجزيرة المعروفة باسم (أرواد).
عرفت هذه الجزيرة منذ الألف الثاني قبل الميلاد باسم (آرودو)، حيث لعبت دوراً هاماً على الطريق بين مصر وبلاد (آشور)، ولاحقاً كانت مرفأ فينيقيا مهما على الساحل السوري، أما خلال العصور الإغريقية فقد عرفت باسم (آرادو).
الوصول إلى الجزيرة متاح عبر ركوب القوارب الخشبية التي تنطلق من مدينة (طرطوس) إلى الجزيرة بين الفينة والأخرى، حيث تستغرق الرحلة حوالي ربع ساعة.
Views: 5