فقدان بيتهوفن لحاسة السمع
كان بيتهوفن يصف نفسه في حياته المبكرة بأنّه ذو حاسة سمعٍ قويّة، لكن مع مرور الوقت أصبح يعاني من فقدان القدرة على سماع الأصوات التي تتميز بنبرةٍ مرتفعة، ممّا دلّ على إصابته بمرض الصمم الحسي العصبي، وكان ذلك في السابعة والعشرين من عمره، وإلى ذلك الوقت كان بيتهوفن قد أنجز العديد من أعماله وهي كتابة أول سمفونيّة له، وأول اثنين من كونشرتو البيانو، بالإضافة إلى العديد من المؤلفات الأخرى، وقد أخفى بيتهوفن إصابته بالصمم لمدة ثلاث سنوات، وبعدها أرسل رسالة إلى الدكتور فرانز فيجلر وضّح له فيها بأنّ حاسة السمع لديه تزداد سوءاً بشكلٍ تدريجيٍّ خلال الثلاث سنوات الماضية.
عانى بيتهوفن خلال تلك الفترة من مجموعة من الأعراض التي تظهر نتيجة الإصابة بالمرض كحساسيّةٍ مؤلمة تجاه الأصوات، فالأصوات العاديّة التي يتراوح ارتفاعها بين السعال والصفّارت قد تكون مؤلمة جداً، كما عانى من فرطٍ في التعرّق، وعدم الارتياح عند رفع الصوت، بالإضافة إلى طنينٍ مستمرٍ، وأدّى ذلك إلى أن يعيش بيتهوفن فترة بائسة من حياته، تجنّب خلالها الانخراط بالمجتمع لمدّة عامين، وقد حاول إخفاء مرضه عن الناس فقد عبّر بيتهوفن عن صعوبة إخباره للناس بأنّه أصم؛ وذلك بسبب شهرته كملحن، حتى أنّ بعض الناس لم يلاحظوا أبداً أنّ بيتهوفن كان مصاباً بالصمم وفقاً لتصريحات بيتهوفن فيما يتعلّق بمشاكل السمع لديه.
وضّح أحد كتاب السيرة
أنّ صمم بيتهوفن أدّى به إلى حالة من الخوف والفوضى العاطفيّة وإهمال الذات، والعزلة، وفي عام 1802م انتقل إلى قرية هايليغنشتات (بالإنجليزيّة: Heiligenstadt) هرباً من ضجيج فيينا للمساعدة في الحفاظ على سمعه، ووفقاً لرسالة كتبها في تلك القرية بيّن أنّ مرضه أدّى به إلى الوصول إلى حالات اليأس والتفكير بالانتحار، إلّا أنّ أخلاقه والموسيقى كانتا تمنعانه من قتل نفسه.
تعدّدت التشخيصات المختلفة لحالة بيتهوفن فلم يوجد سبب واضح ومعروف لإصابته بالصمم، وتراوحت الأسباب بين مرض الزهري، والتهاب السحايا العصبي، والضمور العصبي، وتصلّب الأذن العصبي، والتهاب الأذن الوسطى المزمن، وقد جرّب العديد من العلاجات المختلفة خلال أيام مرضه لكن لم يكن لأيٍ منها نتيجة فعّالة.
إنجازات بيتهوفن
يوجد العديد من الإنجازات المهمة لبيتهوفن والتي تضمنت السمفونيّات، والحفلات الموسيقيّة، والمجموعة الرباعيّة، وموسيقى الحجرة، والأوبرا، وغيرها من الأعمال المختلفة، وفيما يتعلّق بأعماله المخصصة للشكل الموسيقي فقد اعتمد بيتهوفن على هايدن وموزارت من أجل التطوير على السوناتا التي أنشؤوها؛ حيث قام بتمديدها بشكلٍ كبيرٍ وإطالة حركاتها، ومن أهم إنجازاته في مجال الشكل الموسيقي إعادة تعريف السمفونيّة بشكلٍ جذريّ، وتغيير شكل الحركات الأربع التي وُضعت في عهد هايدن والتي تميّزت بترتيبها الصارم فقد حوّلها بيتهوفن إلى شكلٍ مفتوح إلى حدٍّ ما مع الحفاظ على بعض الحركات عند الضرورة وبما يحافظ على تماسك العمل ككل.
تُعد السوناتا والحفلات الموسيقيّة من أهم إنجازات بيتهوفن، فالحفلات الموسيقيّة الآن تبدأ بحركاتٍ افتتاحيّة لسمفونيّات بيتهوفن، فقد عمل على إعادة صياغة السمات الأساسيّة في الحركات قبل الوصول للمقطع الختامي، كما أن له إنجازات مهمة في تأليف السمفونيّات التسع والتي أصبحت بمثابة نموذجٍ للأدب السيمفونيّ منذ قرنٍ تقريباً، وذلك بسبب تمتُّعها بالعديد من الميّزات كتطوّرها الأساسيّ الرفيع والإبداع والتلاعب بالأدوات الموسيقيّة وكفاءة طابعها الرسمي، إضافةً لقدرتها على إيصال الوعي الإنساني الجماعي.بيتهوفن والناس
كان بيتهوفن يوصف بالمزاجيّة فقد كان سيء المزاج في كثيرٍ من الأحيان، وبالرغم من ذلك كان الناس يحبونه لدرجةٍ كبيرة؛ بسبب الموسيقى التي كان يُقدّمها لهم، فهو لم يُقدّم موسيقى راقية وأنيقة ليُمتّع بها الملوك والأمراء بل قدّم موسيقاه التي تميّزت بالحماس والعاطفة لكافّة الشعب ولكافة الأعمار ممّا جعل الناس يستمتعون بالجلوس والاستماع له وحب تلك الموسيقى، مما دفع حكومة المدينة بإنشاء قاعة للاحتفالات واستضافة أوركسترا من أجل تلبية الطلب العام في الاستماع إلى موسيقى بيتهوفن.
استجاب بيتهوفن لطلب الجماهير بتقديم هذا الحفل، ثمّ عمل على إضافة آلة البيكولو وآلة الكوترا باصون وعمل على زيادة حجم الأوركسترا من أجل إحداث صوت أعلى، وقد نال هذه الحفل شُهرةً واسعةّ بسبب استخدام بيتهوفن برنامجاً موسيقيّاً من أجل تقديم الموسيقى بأسلوبٍ تصويريّ؛ حيث استخدم الموسيقى من أجل رسم صور للأحداث المختلفة كالمعارك المضطربة في البحر أو النزهات الهادئة في الريف، وعمل على تغيير نوع العلاقة بين الموسيقيين وعازفي البيانو والمغنيين وبين الأوركسترا لإضافة عنصر التشويق للجمهور وعدم توقعهم للأحداث التالية.
سنواته الأخيرة ووفاته
لم يتزوّج بيتهوفن، وقد يعود السبب إلى سمعته بأنّه رجلٌ صعب المزاج، لكن بالرغم من مزاجه الصعب كان لديه مجموعة من الاصدقاء المقربين جداً وقد كان يلجأ لهم في أصعب أوقاته طلباً للمساعدة، وأصبح في السنوات الاخيرة من عمره يتواصل مع الناس من خلال كتب المحادثة الخاصة بهم، إذ كان الناس يكتبون له ما يريدون معرفته وهو يقوم بالرد عليهم إمّا عن طريق التحدّث أو الكتابة،وذلك بسبب إصابته بالمرض الذي أدى إلى تدمير صحته البدنيّة والعقليّة بشكلٍ تدريجي، كما أدّى هذا المرض إلى البدء في انتفاخ بطنه وتورّم قدميه بسبب السوائل في أيلول عام 1826م، كما استمرّ حدوث القيء لديه بشكلٍ يوميّ.
وفي 24 آذار عام 1827 م توفيّ بيتهوفن بعد فقدان وعيه، وحضر جنازته الكثير من الناس، فقد قيل أنّ شخصاً واحداً من بين كل 10 أشخاص في مدينة فيينا حضروا جنازته، وذلك بسبب الشعبيّة الكبيرة التي كان يتمتّع بها في فيينا.
Views: 0