قصة الجندي العثماني حسن الإغدرلي
وخاصة تلك الموجودة في مدينة القدس، ولكن في المسجد الأقصى كان هناك شاهد حي على تلك الحقبة، هو العريف حسن الإغدرلي آخر جندي عثماني بقي يحرس المسجد الأقصى لأكثر من 65 عاماً حتى وفاته، ولم يقبل العودة لوطنه ويترك ما اعتبره أمانة أجداده وقبلة المسلمين الأولى بيد الغزاة.
يذكر مدير المجلس الثقافي التركي ، “ريها أرمم جو”، الذي كان استجاب لدعوة من مقتني الآثار، بسام بدران، لزيارة متحفه الخاص في طولكرم في شمالي الضفة الغربية، أنه انتبه لوجود صورة لكهل كثيف اللحية، كُتب في أعلاها “آخر جندي تركي، بقي يحرس المسجد الأقصى من 1917 وتوفي في القدس 1982”.
وتابع أرمم جو: “أخذت نسخة عن هذه الصورة، وعرضتها على عدة أشخاص في القدس، الذين أكدوا لي على أنها بالفعل صورة العريف حسن الإغدرلي”.
وبعد عرضها على الشيخ “عكرمة صبري”، خطيب المسجد الأقصى، تعرف فوراً على الصورة.
وقال الشيخ صبري، الذي كان يبلغ من العمر 81 عاماً حينها، وقد بدت عليه علامات التأثر: “نعم، إنه الجندي العثماني التركي الذي بقي في مدينة القدس، وكان ملازماً للمسجد الأقصى المبارك من الصباح وحتى المساء ولا يتكلم مع أحد، كان منطوياً على نفسه، يصلي ويقرأ القرآن ولا يغادر الأقصى إلا بعد آخر مصلٍّ بعد صلاة العشاء”.
وأضاف صبري لوكالة الأناضول: “كان هذا الجندي، فعلاً، وفياً للمسجد الأقصى وحزيناً، بطبيعة الحال، نتيجة ما حصل في الحرب العالمية الأولى، فكانت ردة فعله أنه تمسك بمدينة القدس واعتكف في المسجد الأقصى في جميع أيام السنة
ربما كان الأول الذي يكشف قصة العريف حسن الإغدرلي هو الصحفي التركي المؤرخ “إلهان بردكجي”، الذي زار المسجد الأقصى ضمن وفد تركي في شهر مايو/أيار 1972.
والذي انتبه لرجل عجوز في ساحة المسجد الأقصى يرتدي ملابس قديمة جداً، وحين سأل “إلهان بردكجي” الدليل الفلسطيني المرافق للوفد أخبره أن هذا الرجل يأتي يومياً للمسجد الأقصى منذ سنين طويلة، ولم يتغيب يوماً، وينتظر حتى المساء ثم يغادر، ولا يتحدث إلى أحد.
وحين سلم عليه إلهان، رد عليه الشيخ السلام بنبرة تركية، وبعد تجاذب الحديث أخبره الشيخ بقصته قائلاً:
“أنا العريف حسن، قائد مجموعة الرشاش الآلي الثقيل الحادية عشرة، في اللواء الثامن، في الفرقة السادسة والثلاثين، في الفيلق العشرين من الجيش العثماني”
“فتح لواؤنا النار على الجيش الإنجليزي في جبهة قناة السويس أثناء الحرب العالمية الأولى. خسر جيشنا -روحي فداه- فكان علينا الانسحاب. كانت الأراضي التي فتحها الأجداد تسقط الواحدة تلو الأخرى. حتى وصل الجيش الإنجليزي إلى القدس، فاحتل المدينة وبقينا نحن في القدس.
لقد أبقى العثمانيون على كتيبة من بقايا الجيش العثماني في القدس كي لا يقوم الجيش الإنجليزي بنهب المدينة المقدسة. في الماضي كانت الجيوش التي تنجح في احتلال مدينة ما؛ لا تعامل جنود الجيش المهزوم معاملة الأسرى”.
ثم أردف قائلاً: “كانت وحدتنا مؤلفة من 53 فرداً، وقد وصلنا خبر تسريح الجيش بعد التوقيع على معاهدة موندروس. عندها قال لنا قائد الوحدة: “أيها الأسود، لقد وقعت دولتنا في محنة، ويجري تسريح جيشنا العظيم. لقد دُعيت إلى إسطنبول وينبغي علي الذهاب، لأنني إن لم أستجب فسأكون قد خالفت الأوامر وانتهكت بنود المعاهدة الموقعة. فمن أراد منكم العودة معي فله ذلك، أما من أراد البقاء فإني أوصيهم بالقدس.
فهي أمانة تركها لنا السلطان ياووز سليم. أوصيكم بحراستها كي لا يقول الناس (ها قد ذهب العثمانيون أيضاً، فما هو مصيرنا بعد اليوم!)، إذا ترك العثمانيون قبلة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأولى سيحتفل الكفار بذلك. إياكم أن تتخلوا عن شرف الإسلام وعن الدولة العثمانية العلية”.
بقيت وحدتنا في القدس، ثم انقضت السنوات سريعاً، وانتقل زملائي إلى رحمة الله واحداً بعد الآخر. لم يقهرنا العدو، بل قهرتنا السنين ونحن بانتظار جيوش الفتح. بقيت أنا لوحدي هنا، وحدي فقط، في هذه المدينة العظيمة”.
بعد عودة الوفد التركي إلى بلده انقطعت أخبار العريف حسن الإغدرلي، حتى عام 1982، حين وصلت رسالة من الدليل الفلسطيني إلى الصحفي “إلهان بردكجي” مكتوب فيها: “لقد مات اليوم آخر جندي عثماني كان يحرس المسجد الأقصى “.
Views: 7