عمر بن الخطاب رضي الله عنه السيرة الذاتية
لقد كان عمر بن الخطاب رضيٍٍِ الله عنه من كبار الصحابة، وقد مستشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخليفة أبي بكر الصديق، أسلم بعد 40 رجلا. هاجر من مكة إلى المدينة وشارك في كل الغزوات والمعارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتخلف عن أي منها، وكان معظما لشعائر الله يخشى حدوده، استلم الخلافة بعد أبي بكر الصديق وحكم 10 سنوات، وتوسعت البلاد الإسلامية في عهده، واستشهد سنة 23 للهجرة.
متى ولد عمر بن الخطاب
ولد بعد عام الفيل، وبعد مولد الرسول محمد بثلاث عشرة سنة. وكان منزل عمر في الجاهلية في أصل الجبل الذي يقال له اليوم جبل عمر، وكان اسم الجبل في الجاهلية العاقر وبه منازل بني عدي بن كعب، نشأ في قريش وامتاز عن معظمهم بتعلم القراءة. وعمل راعيًا للإبل وهو صغير، وكان والده غليظًا في معاملته. وكان يرعى لوالده ولخالات له من بني مخزوم. وتعلم المصارعة وركوب الخيل والفروسية، والشعر. وكان يحضر أسواق العرب وسوق عكاظ وسوق مجنة وسوق ذي المجاز، فتعلم بها التجارة، التي ربح منها وأصبح من أغنياء مكة، رحل صيفًا إلى بلاد الشام وإلى اليمن في الشتاء، وكان عمر من أشراف قريش، وإليه كانت السفارة فهو سفير قريش، فإن وقعت حرب بين قريش وغيرهم بعثوه سفيراً، وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به، بعثوه منافرًا ومفاخرًا. نشأ عمر في البيئة العربية الجاهلية الوثنية على دين قومه، كغيره من أبناء قريش، وكان مغرمًا بالخمر والنساء.
الاسم الكامل عمر بن الخطاب
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، العدوي القرشي.
وهو ابن عمّ زيد بن عمرو بن نفيل الموحد على دين إبراهيم. وأخوه الصحابي زيد بن الخطاب والذي كان قد سبق عمر إلى الإسلام. ويجتمع نسبه مع الرسول محمد في كعب بن لؤي بن غالب.
أمه: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وهي ابنة عمّ كلٍ من أم المؤمنين أم سلمة والصحابي خالد بن الوليد وعمرو بن هشام المعروف بلقب أبي جهل. ويجتمع نسبها مع النبي محمد في كلاب بن مرة.
المُلقب بالفاروق، هو ثاني الخلفاء الراشدين ومن كبار أصحاب الرسول محمد، وأحد أشهر الأشخاص والقادة في التاريخ الإسلامي ومن أكثرهم تأثيرًا ونفوذًا. هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن علماء الصحابة وزهّادهم. تولّى الخلافة الإسلامية بعد وفاة أبي بكر الصديق في 23 أغسطس سنة 634م، الموافق للثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة 13 هـ. كان ابن الخطّاب قاضيًا خبيرًا وقد اشتهر بعدله وانصافه الناس من المظالم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وكان ذلك أحد أسباب تسميته بالفاروق، لتفريقه بين الحق والباطل.
في عهد عمر بن الخطاب,
عمر بن الخطاب هو مؤسس التقويم الهجري، وفي عهده بلغ الإسلام مبلغًا عظيمًا، وتوسع نطاق الدولة الإسلامية حتى شمل كامل العراق ومصر وليبيا والشام وفارس وخراسان وشرق الأناضول وجنوب أرمينية وسجستان، وهو الذي أدخل القدس تحت حكم المسلمين لأول مرة وهي ثالث أقدس المدن في الإسلام، وبهذا استوعبت الدولة الإسلامية كامل أراضي الإمبراطورية الفارسية الساسانية وحوالي ثلثيّ أراضي الامبراطورية البيزنطية. تجلّت عبقرية عمر بن الخطاب العسكرية في حملاته المنظمة المتعددة التي وجهها لإخضاع الفرس الذين فاقوا المسلمين قوة، فتمكن من فتح كامل إمبراطوريتهم خلال أقل من سنتين، كما تجلّت قدرته وحنكته السياسية والإدارية عبر حفاظه على تماسك ووحدة دولة كان حجمها يتنامى يومًا بعد يوم ويزداد عدد سكانها وتتنوع أعراقها.
زوجات عمر بن الخطاب
- أم كلثوم بنت جرول الخزاعية، وله منها عبيد الله وزيد الأصغر.
- قريبة بنت أبي أمية المخزومية.
وقد تزوجهما عمر بن الخطاب في الجاهلية وطلقهما عام الحديبية مشركتين عند نزول الآية “ولا تمسكوا بعصم الكوافر“. - زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشية الجمحية، أخت عثمان بن مظعون. قيل إنها رافقته في هجرته إلى المدينة، وقيل إنها ماتت في مكة قبل الهجرة. أبناؤه منها عبد الله وعبد الرحمن، وأم المؤمنين حفصة.
- جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصارية وله منها عاصم، وهي أخت عاصم أمير سرية الرجيع، تزوجها عمر في السنة السابعة للهجرة ثم طلقها، فتزوجت من زيد بن حارثة.
- ابنة حفص بن المغيرة، تزوجها عمر وطلقها لأنها عاقر.
عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل بن عدي، أسلمت وهاجرت، وكانت زوج عبد الله بن أبي بكر الصديق، وقد أعطاها قسما من أمواله على ألا تتزوج من بعده، فلما مات أرسل إليها عمر بن الخطاب وكان خليفة للمسلمين حينها وطلب منها رد المال إلى أهل زوجها السابق حتى تحلّ له، ففعلت فتزوجها، وأنجبت له عياضا، وزينب. - أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية وكانت متزوجة من خالد بن سعيد بن العاص، فلما استشهد في معركة مرج الصفر تزوجها عمر بن الخطاب، أي بعد سنة 13 للهجرة. وأنجبت له فاطمة. وقيل إنه طلقها.
- أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، حفيدة رسول الله من ابنته فاطمة، ولدت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوجها عمر سنة 17 للهجرة وله منها زيد الأكبر ورقية، وتوفيت هي وابنها زيد في وقت واحد.
- فاطمة بنت الوليد بن المغيرة وكانت متزوجة من الحارث بن هشام لكنه توفي بطاعون عمواس سنة 18 للهجرة، فتزوجها عمر بن الخطاب وعمل على تربية ابنها عبد الرحمن.
- “لهية أمّ ولد”، وله منها عبد الرحمن الأوسط، وعبد الرحمن الأصغر وعائشة.
- فكيهة سعيدة بنت رافع بن عبيد بن عمرو الأنصارية وله منها عبد الله الأصغر.
الصفات الجسدية لعمر بن الخطاب
كان عمر رجلا طويلا، ضخم الجسم، أصلع الرأس له حفافان، جميل ملامح الوجه، في عينيه حور، كثيف اللحية، عريض الكتفين، غليظ القدمين والكفين، قوي البنية، يميل إلى السمرة، أعسر، إذا مشى كأنه راكب، جهوري الصوت، إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وإذا أطعم أشبع، وإذا غضب فتل شاربه ونفخ.
صفات عمر بن الخطاب الروحية
عُرف بزهده في الدنيا وما فيها، وصبره، وهيبته وشدّته في الدين، وغيرته على محارم الله، وأدائه للفرائض والحرص على تطبيق حدود الله، وشديد التحرّز في الدين وترك الشبهات.
وكان حريصا على الحق وتبيينه والعودة إليه، وعدم الإصرار على الخطأ والتعصب للرأي، يحتكم للحق والصواب، رقيق القلب، خاشع كثير الدمع، يحب الذكر وسماع الموعظة، سريع البكاء من خشية الله، يكره المدح والثناء، وكان متواضعا لين الجانب، سخيا كثير الإنفاق في سبيل الله، شجاعا لا يعرف الخوف.
اسلام عمر بن الخطاب
سبقت إسلام عمر مواقف جعلت دين الله يقع في قلبه، من ذلك ما رُوي عنه أنه قال “خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، فقرأ: {إنّه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون}، فقلت: كاهن، فقال: {ولا بقول كاهن قليلا ما تذكّرون تنزيل من ربّ العالمين، ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين} إلى آخر السورة، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع”.
ويذكر عمر عن نفسه أنه كان صاحب خمر وله جلساؤه، فخرج ذات مرة يريد الجلوس معهم وشرب الخمر فلم يجدهم، فذهب إلى الكعبة ليطوف بالبيت فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قائما هناك يصلي، فجلس عمر يستمع إلى القرآن ووقع في قلبه وتأثر به وبكى.
أما إسلامه فيُروى عن أنس بن مالك أنه قال “خرج عمر متقلدا السيف، فلقيه رجل من بني زهرة قال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمّدا، قال: وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدا؟ فقال عمر: ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه، قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن ختنك وأختك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه.
فمشى عمر ذامرا حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خبّاب، فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، فدخل عليهما، فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟ وكانوا يقرؤون (طه) فقالا: ما عدا حديثا تحدثناه بيننا. قال: فلعلكما قد صبوتما، فقال له ختنه: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟
فوثب عليه عمر فوطئه وطئا شديدا، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده نفحة، فدمي وجهها، فقالت وهي غضبى: يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟! أتشهد أن لا إله إلا الله وتشهد أن محمدا رسول الله؟
فلما يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه. قال: وكان عمر يقرأ الكتب. فقالت أخته: إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون، قم فاغتسل أو توضأ، فقام عمر ثم أخذ الكتاب، فقرأ (طه) حتى انتهى إلى قوله: {إنّني أنا اللّه لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصّلاة لذكري}. فقال: دلوني على محمد.
فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخميس “اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام”، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا.
فانطلق عمر حتى أتى الدار وعلى بابها حمزة وطلحة، وأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى حمزة وَجل القوم من عمر، قال: نعم فهذا عمر، فإن يرد الله بعمر خيرا يسلم، ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن غير ذلك يكن قتله علينا هينا، والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يومئ إليه.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه، وحمائل السيف فقال: “أما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة، اللهم هذا عمر بن الخطاب، اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب”، فقال عمر: أشهد أنك رسول الله، فأسلم وقال: أخرج يا رسول الله.
ثم أعلن عمر إسلامه أمام قريش فقاموا إليه يضربونه ويضربهم حتى تعب عمر فتركهم وقال لهم افعلوا ما بدا لكم.
وكان إسلام عمر في السنة السادسة أو السابعة من البعثة بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة. بعد إسلام 40 رجلا. وقد أعز الله بإسلامه المسلمين، فبعد إسلامه استطاع المسلمون الخروج إلى البيت الحرام والطواف به والصلاة عنده.
ولما أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة كان عمر من أوائل المهاجرين، والرواية الشائعة أنه هاجر جهرا على عكس المسلمين في تلك الفترة، إذ إنه لما نوى الهجرة تقلد سيفه وقصد البيت فطاف وصلى، ثم صدح بأعلى صوته “من أراد أن تثكله أمه ويؤتم ولده، وترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي”، فلم يتبعه أحد من قريش. وذُكرت روايات أخرى عن هجرته سرا كباقي المسلمين.
عم بن الخطاب في عهد أبي بكر الصديق
كان عمر بن الخطاب المساعد الأول لأبي بكر الصدِّيق وساعده الأيمن ومستشاره الأساسي طوال خلافته، وكان مستشاره العسكري الأبرز الذي ساعده في حروبه، لا سيّما حروب الردة. وقد قال أبو بكر الصديق مرة: «ما على ظهر الأرض رجل أحبّ إليَّ من عمر». وقد كان أبو بكر يستشير عمر في تعيين القادة العسكريين وعزلهم. فقد ولَّى أبو بكر مثلاً خلال فتح الشام الصحابيَّ سعيد بن العاص الأموي على الجيش الفاتح، غير أنه عزله بعدها قبل أن يبدأ السير، نظراً لاعتراض عمر الشديد عليه. كما كان عمر عوناً كبيراً له في وضع خططه العسكرية والاستراتيجية.
وعندما اجتمعَ الأنصار في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول ليبايعوا سعد بن عبادة خليفة من بعده، سمع عمر بن الخطاب بذلك، فذهبَ على الفور إلى أبي بكر الصديق وهو في منزل الرَّسول، وبلغه الخبر، وانضمَّ إليهما أبو عبيدة بن الجراح فساروا معاً إلى السقيفة. وقال أبو بكر عندما دخل: «ما هذا؟»، فأجابوه «منّا أمير ومنكم أمير»، فقال: «منّا الأمراء ومنكم الوزراء». ثم عرض عليهم أحد مرافقيه ليُصبَح الخليفة فقال: «لقد رضيتُ لكم أحد هذين الرجلين – عُمَر وأبي عبيدة أمين هذه الأمة-». غير أن أحد الأنصار قال بصوتٍ عال: «أنا جُذَيلها المحنك وعُذَيْقُها المرجَّب، منّا أمير ومنكم أمير»، فتعالت الأصوات واللغط، واختلف الناس فيمن سيكون الخليفة، حتى قام عمر وقال: “أيّكم يطيب نفساً أن يخلُف قَدَمَين قدّمهما النبي صل الله عليه وسلم؟”، ثمَّ قال لأبي بكر «ابسط يدك لأبايعك»، فبايعه عمر بن الخطاب، وتبعه الناس فبايعوه.
لم يكن الجميع راضين عن القرار، إذ لم يرضَ بعضهم بمبايعة غير علي بن أبي طالب، فقال الزبير: «لا أغمد سيفاً حتى يُبايَع علي»، فقال عمر: «خذوا سيفه واضربوا به الحجر». وقد تمكَّن عمر من دفع الكثير من الأنصار إلى مبايعة أبي بكر. وقد خطبَ الجمعة بأهل المدينة مرة فقال: «إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول: لو مات أمير المؤمنين بايعتُ فلانًا، فلا يغرَّنَّ امرأً أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فتنة، فقد كان كذلك ولكنّ الله وقى شرَّها، وليس منكم من تُقطَع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان خيرنا حين توفيَّ رسول الله». وقد كان لعمر بن الخطاب دورٌ كبير في معونة أبي بكر ببداية خلافته في تنظيم أمور الدولة، وأخذ البيعة، وتثبيت الحكم.
كان من أولى وأكبر التحديَّات التي واجهت أبا بكر في خلافته حروب الردة، التي بدأت بامتناع بعض قبائل العرب عن أداء الزكاة إلى الخليفة الجديد، وكانت البداية بقبائل قليلة مثل عبس وذبيان وغطفان، غير أن العدد ازداد لاحقًا، فانتشرت حركة الردة في أنحاء شبه الجزيرة العربية. كما كثر مدَّعو النبوة، فكان منهم مالك ووكيع وسجاح، أما أقواهم وأكثرهم نفوذًا فكان مسيلمة الكذاب. وقد انقسم الصحابة في الرأي حول كيفيَّة التعامل مع الوضع، فأشار عمر بن الخطاب -وطائفة كبيرة من الصحابة- على أبي بكر بعدم دخول الحرب معهم، والتنازل عن امتناعهم عن الزكاة، خصوصاً مع عدم وجود قوة عسكرية تحمي المدينة من الهجمات. غير أن أبا بكر أصرَّ على موقفه بشدة، وقال: «والله لو منعوني عقالاً (الحبل الذي يجرُّ به البعير) لجاهدتهم عليه».
انتهت حروب الردة بمعركة اليمامة، التي قتل فيها الكثير من الصحَّابة، من بينهم مئات من حفظة القرآن، وقد اختلفَ المؤرخون حول عددهم، فقال بعضهم أنه قتلَ 500 من حفظة القرآن في المعركة، وقال آخرون 700. وقد فزعَ عمر بن الخطاب عندما سمعَ بهذه الأعداد، وخشيَ أن يُقتَل المزيد منهم في المعارك والحروب، فيضيع شيء من القرآن. فأخبر أبا بكرٍ بمخاوفه، إذ جاءه وقال له: «إنّ القتل استمرّ بقُرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستمرّ القتل بالقُرّاء في المواطن، فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن»، غير أن أبا بكر تخوَّف من الأمر وقال: “كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول اللهصل الله عليه وسلم؟”. فردّ عمر قائلًا: «أرى والله أنه خير»، وظلّ يصرّ ويحاور أبا بكر حتى اقتنع، فاستدعى زيد بن ثابت الأنصاريّ وأمره بتولّي المهمَّة. وقد قال أبو بكر لزيد: «إنّك شابّ عاقل، لا نتّهمك، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله، فتتبَّع القرآن فاجمعه»، غير أن زيداً تخوَّف من المهمة، وقال في وصف الحادثة: «فو الله لو كلّفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ ممّا أمرني به من جمع القرآن – قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله؟»، فكرَّر أبو بكر: «هو والله خير»، ولم يزل فيه حتى اقتنعَ هو الآخر، فذهبَ وجمع القرآن في مصحف واحد. وقد بقيَ المصحف عند عمر بعد وفاة أبي بكر، ثم انتقلَ إلى ابنته حفصة.
وكان من بين من قتلوا في معركة اليمامة أخوه زيد بن الخطاب، وعندما جاءه ابنه عبد الله بعد المعركة – وكان يقاتل فيها مع زيد – قال له عمر زاجراً إياه: «ألا هلكتَ قبل زيد؟ هلك زيد وأنت حيّ! ألا واريتَ وجهك عني؟»، فأجابه: «سألَ اللهَ الشهادة فأعطُيهَا، وجَهِدتُ أن تُسَاق إليَّ فلم أعطها».
وبعد أن أصبح أبو بكر خليفة، قال مرَّة لعمر وأبي عبيدة بن الجراح: «إنه لابدَّ لي من أعوان»، فقال عمر: «أنا أكفيك القضاء»، والثاني قال: «أنا أكفيك بيت المال». وظلَّ عمر في سدة القضاء بالمدينة مدة سنة كاملة، لم يختصم إليه أحد خلالها، حتى جاء في يوم إلى أبي بكر طالباً منه إعفاءه من القضاء، فسأله أبو بكر مستغرباً: «أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟»، فأجابه عمر:
«لا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟ ففيمَ يختصمون؟»
مبايعت عمر بن الخطاب بالخلافة
عندما اشتدَّ على أبي بكر مرض موته، جمع كبار الصحابة وقال لهم: «إنَّه قد نزل بي ما قد ترون، ولا أظنني إلا ميِّتًا، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحلّ َعنكم عقدي، وردَّ عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي». فأخذ الصحابة الذين جمعهم يتعفَّفون، فيرى كل منهم في الآخر قدرة أكبر على تولي مسؤولية الخلافة، فعادوا إلى أبي بكر وقالوا له طالبين مساعدته باختيار الخليفة: «أرنا يا خليفة رسول الله رأيك»، قال: «فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده».
وبعد فترة من التفكير استدعى أبو بكر الصحابي عبد الرحمن بن عوف وقال له: «أخبرني عن عمر؟»، فأجابه: «إنه أفضل من رأيك إلا أنّ فيه غلظة»، فقال أبو بكر: «ذلك لأنه يراني رفيقًا، ولو أفضي الأمر إليه لتركَ كثيرًا ممَّا هو عليه، وقد رمَّقتُهُ فكنتُ إذا غضبتُ على رجل أراني الرضا عنه، وإذا لنتُ له أراني الشدّة عليه». ثم دعا عثمان بن عفّان، وقاله له كذاك: «أخبرني عن عمر»، فقال: «سريرته خير من علانيّته، وليس فينا مثله»، فقال أبو بكر للإثنين: «لا تذكرا ممَّا قلتُ لكما شيئاً، ولو تركته ما عدوتُ عثمان، والخيرة له أن لا يلي من أموركم شيئًا، ولوددتُ أنّي كنتُ من أموركم خلواً وكنتُ فيمن مضى من سلفكم».
ثم جاء طلحة بن عبيد الله إلى أبي بكر وقال له غاضبًا: «استخلفتَ على النّاس عمر وقد رأيتَ ما يلقى الناس منه وأنتَ معه، وكيف به إذا خلا بهم وأنت لاقٍ ربّك فسائلك عن رعيّتك!»، فقال أبو بكر: «أجلسوني» فأجلسوه، ثم أجابه: «أبالله تخوّفني! إذا لقيتُ ربي فسألني قلتُ: استخلفت على أهلك خير أهلك».
وبعد ذلك استدعى أبو بكر عثمان بن عفان مجددًا، فقال له: “اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهِدَ أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أمّا بعد…” لكن أغميَ عليه في تلك اللحظة قبل أن يكمل كلامه، فكتب عثمان: «أمَّا بعد فإني قد استخلفتُ عليكم عمر بن الخطّاب ولم آلكم خيراً». وعندما استيقظ أبو بكر من إغماءته قال لعثمان: «اقرأ عليّ»، فقرأ عثمان، وعندما انتهى كبَّر أبو بكر وقال: «أراك خِفتَ أن يختلف الناس إن مُتُّ في غشيتي؟»، قال: «نعم»، فقال: «جزاك الله خيرًا عن الإسلام وأهله».
وبعد أن كتبَ العهد أمر أبو بكر أن يُقرَأ على الناس، فجمعهم وأرسله مع أحد مواليه إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر للناس: «أنصتوا واسمعوا لخليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإنّه لم يألكم نصحًا»، فهدأ الناس وتوقَّفوا عن الكلام، ولم يعترضوا بعد سماع العهد. ثم جاءهم أبو بكر وقال: «أترضون بما استخلفتُ عليكم؟ فإني ما استخلفتُ عليكم ذا قرابة، وإنّي قد استخلفتُ عليكم عمرَ فاسمعوا له وأطيعوا، فإني والله ما آلوت من جهد الرأي»، فردَّ الناس: «سمعنا وأطعنا». ثم أحضر أبو بكر عمر وقال له: «إنّي قد استخلفتك على أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم»، ثم أوصاه بتقوى الله، وخطبَ فيه خطبة قدَّمَ له فيها الكثير من الوصايا والنصائح.
توفّي أبو بكر بعد ذلك بأيام، وعندما دفن وقف عمر وخطب في الناس قائلًا: «إنَّما مَثَل العرب مثل جمل آنف اتَّبعَ قائده فلينظر حيث يقوده، وأمَّا أنا فوربِّ الكعبة لأحملنَّكم على الطريق!».
القضاء والحكم في عهد عمر بن الخطاب
ولم يُهمل عمر بن الخطاب القضاء، فكان يتولَّى الفصل بين الناس، وتطبيق الحدود والأحكام، ولمّا توسَّعَتِ الدولة واختلط العربُ بسكان البلاد المفتوحة، وازدادَتِ القضايا في هذه الأمصار – تعذَّر على الخليفة النظرُ فيها، وكذلك الولاة، فعمل عمر بن الخطاب على فصل القضاء عن الولاية، وشرع في تعيين القضاة في البلاد المفتوحة، فولَّى أبا الدرداء قضاءَ المدينة، وشريحًا الكندي قضاء الكوفة، وعثمانَ بن أبي العاص قضاء مصر، وأبا موسى الأشعري قضاء البصرة، وقد أجرى عمر عليهم الرواتب، فجعل للقاضي سليمان بن ربيعة خمسمائة درهم في كل شهر، وجعل لشريح مائةَ درهم ومؤْنته من الحنطة. وكان عمر يحث القضاة على إحقاق الحق، وإقامة العدل بين الناس؛ مما دفع القضاةَ إلى العمل على تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية بحذافيرها. كما سن عمر لهؤلاء القضاة دستوراً يسيرون على هديه في الأحكام، وقد لبث هذا الدستور مرجعاً للقضاء
استشهاد عمر بن الخطاب
كان عمر بن الخطاب يؤم المسلمين في صلاة الفجر فطعنه أبو لؤلؤة المجوسي بسكين مسموم، وطعن 13 رجلا من المسلمين وهو يحاول الفرار واستشهد منهم 7، ثم قتل نفسه بعد أن حوصر. وطلب عمر استدعاء طبيب ليرى جرحه، فأتى الطبيب وسقى عمر نبيذا فخرج من الجرح واشتبه على الطبيب لون النبيذ بالدم، فجاء طبيب آخر وسقى عمر لبنا فخرج من مكان الجرح لونه أبيض، وطلب الطبيب من عمر أن يعهد لأن أجله اقترب.
ورشح عمر 6 من الصحابة للخلافة هم عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد، وأوصاهم بتقوى الله وطلب منهم مبايعة من يبايعه عبد الرحمن بن عوف، ومن يأبى يُضرب عنقه، وأمر عمر ابنه عبد الله أن يسد دينه، ويستأذن عائشة ليدفن في بيتها بجوار صاحبيه؛ النبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكر الصديق.
ورويت عدة أقوال في تاريخ وفاته، تراوحت تواريخها جميعا ما بين نهاية ذي الحجة وبداية محرم، سنة 23 للهجرة، وغسّله ابنه عبد الله وكفنه، وصلى عليه الصحابة الكرام صلاة الجنازة، ودفن في حجرة عائشة بجانب صاحبيه. وكانت مدة خلافته 10 سنوات و5 أشهر و21 ليلة، رضي الله عنه وأرضاه.
نظرية الشيعة عن عمر بن الخطاب
تُقسم وجهة النظر الشيعية حول عمر بن الخطاب إلى قسمين: رأي الشيعة الإثنا عشرية ورأي الشيعة الزيدية. أما الإثنا عشرية فنظرتهم إلى ابن الخطاب نظرة سلبية، وهو عندهم منقلب خائن للنبي محمد، ومغتصب لحق علي بن أبي طالب في خلافة المسلمين، وعند بعض المراجع فهو قاتل ابنة الرسول وزوجة الإمام علي، فاطمة الزهراء. وفي هذه الرواية أن عمرَ اتجه إلى دار فاطمة ليأتي بعلي والزبير بن العوام ليبايعا أبا بكر بالخلافة، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: «يا بن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟» قال: «نعم، أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمة»، وقد أشار عدد من علماء الشيعة إلى أن عمر بن الخطاب أضرم النار في الدار وتعرّض لفاطمة بالضرب بعد أن قاومته، الأمر الذي جعلها تجهض حملها وتفارق الحياة بعد فترة، على أنهم اختلفوا في كيفية حصول ذلك على وجه الدقة. كذلك تعتبر الاثنا عشرية أن أوّل من لُقب بالفاروق من قبل النبي محمد هو علي بن أبي طالب. أما الزيدية فنظرتهم إلى عمر بن الخطاب أكثر اعتدالاً، فهم يقرون بصحة خلافته ولا يسبّونه، لكنهم يعتقدون على الرغم من ذلك أن الإمام عليًا أحق بالخلافة، وذلك بناءً على مبدأ خلافة المفضول مع وجود الأفضل. وقد ورد في عدد من المراجع الشيعية أن عمر لما حضرته الوفاة رفض تسمية أحدًا من الستة قائلًا: «واللَّه، ما يمنعني أن أستخلفك يا سعد إلّا شدّتك وغلظتك، مع أنّك رجلُ حربٍ! وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلّا أنّك فرعون هذه الاُمّة! وما يمنعني منك يا زبير إلّا أنّك مؤمن الرضى، كافر الغضب! وما يمنعني من طلحة إلّا نَخْوته وكِبْره، ولو وليها وضع خاتمه في إصبع امرأته! وما يمنعني منك يا عثمان إلّا عصبيّتك وحبّك قومَك وأهلَك! وما يمنعني منك يا عليّ إلّا حرصك عليها! وإنّك أحرى القوم، إن وُلِّيتها، أن تقيم على الحقّ المبين، والصراط المستقيم».
نسب عمر بن الخطاب باختصار
كنية عمر بن الخطاب: أبو حفص
تولد عمر بنت الخطاب : مابين عاميّ 586 و590م تقريبًا، سنة 40 ق.هـ في مكة، تهامة، شبه الجزيرة العربية
وفاة عمر بن الخطاب : 7 نوفمبر 644م، الموافق 26 ذو الحجة 23 هـ المدينة المنورة، الحجاز، شبه الجزيرة العربية مبجل(ة) في الإسلام: أهل السنة والجماعة، الإباضية، الدروز، الشيعة الزيدية المقام الرئيسي المسجد النبوي، إلى جانب النبي محمد وأبو بكر الصديق، المدينة المنورة
نسب ولد عمر بن الخطاب: الخطّاب بن نفيل بن عبد العزى
أم عمر بن الخطاب: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة
اخوة عمر بن الخطاب: زيد بن الخطاب، فاطمة بنت الخطاب
زوجات عمر بن الخطاب: قريبة بنت أبي أمية، وأم كلثوم مليكة بنت جرول، وزينب بنت مظعون، وجميلة بنت ثابت، وعاتكة بنت زيد، وأم حكيم بنت الحارث، وأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب(1)
ذريت عمر بن الخطاب: عبيد الله، زيد الأكبر، زيد الأصغر، عبد الله، حفصة، عبد الرحمن الأكبر، أبو شحمة عبد الرحمن الأوسط، عبد الرحمن الأصغر، عاصم، عياض، فاطمة، رقية.
Views: 11