مؤلفات أفلاطون
• يغلب على مؤلفات أفلاطون طابع المحاورة وهو أسلوب كان شائعاً في العصر الذي ازداد فيه نشاط السفسطائيين وسقراط. يعد أفلاطون أول فيلسوف يوناني وصلتنا جميع مؤلفاته، وقد نشرها كلها تراسيلوس، ولكننا لا نستطيع أن نجزم بأن كل ما وصل إلينا من كتب تحمل اسم أفلاطون تصح نسبتها إليه، فقد أثبت النقد التاريخي أن هناك محاورات منقولة نسبت إلى أفلاطون وقد ثبت أنها ليست له، وعلى هذا فإننا نكتفي هنا بالإشارة إلى المؤلفات التي تعرف مؤرخو الفلسفة على صحة نسبتها إليه.أما من حيث تصنيف هذه المؤلفات فقد تمكن العلماء -بعد دراسة أسلوب المحاورات وموسوعاتها من ترتيبها على هيئة تصنيف زمني تطوري حسب أطوار حياة المؤلف- فهناك مؤلفات ترجع إلى عهد الشباب (المحاورات المبكرة)، وأخرى تم تأليفها بعد إنشاء الأكاديمية (محاورات المرحلة المتوسطة)، أما المجموعة الثالثة فهي من إنتاج أفلاطون في عهد الشيخوخة (محاورات المرحلة الأخيرة).
• أغلب عناوين مؤلفاته مأخوذة من اسم أحد المحدثين في المحاورة. لم يضع أفلاطون مؤلفاً خاصاً حول نظرية الفكرة -التي تشكل أساساً لمفاهيمه- ولكن كانت مؤلفاته جميعها توضح هذه النظرية.
• ظهرت أفكار أسطورية تقول بأن أفلاطون كتب أيضاً مؤلفات غامضة للروحانيين. من المؤكد أن محاضراته في الأكاديمية كانت تختلف عن مؤلفاته (بحسب قول أرسطو).
•يعتبر الكثيرون مؤلفات أفلاطون متفردة في نوعها، لأنها عبارة عن حوار، وهذا ناتج من تأثير أسلوب سقراط عليه، وأيضاً الرغبة في تقريب الكتابة من الكلام، والذي كان أفلاطون يعتبره أرقى من الكتابة (يتضح ذلك في مؤلفه «فايدروس»)، ولأن أفلاطون لم يكن مفكراً فقط، بل كان كاتباً ممتازاً أيضاً، ولمحاوراته قيمة فنية، إذ كان يتميز بقدرة كبيرة على جذب القارئ وبتشخيص الناس والمواقف ببراعة. أيضاً من مميزات مؤلفات أفلاطون أن المتحدثين في محاوراته هم العلماء والساسة والمثقفون المعاصرون له، وهو لم يقل كلمة واحدة في محاوراته (ومن هنا توجد صعوبة في تحديد آرائه). تتميز محاورات أفلاطون بحيوية الكلام الدارج، وهي بعيدة عن أسلوب كتابة الكتب العلمية الجافة، ومن الصعب فيها التمييز بين المقولات الجادة والسخرية والمزاح.
• ترجمت معظم محاورات أفلاطون إلى العربية. فعن الإنجليزية نقل فؤاد زكريا محاورة الجمهورية (أو السياسة). وعن اليونانية القديمة، نقل عزت قرني، مع مقدمات وهوامش وملاحظات تحليلية، عدة محاورات هي: فيدون، مينون، بروتاغوراس، أقريطون، أوطيفرون، الدفاع، السفسطائي، وثيثيوس..
• لا تشكل محاورات أفلاطون -بالرغم من الاعتقاد السائد- حلقات متسلسلة، إذ أن كلاً منها تشكل عملاً متكاملاً -ما عدا استثناءات قليلة-. هناك قضايا ناقشها أفلاطون في عدة محاورات وكان كل مرة يأتي بحل جديد لها، ولهذا كان من المهم تحديد تسلسلها، ولهذا استطاع مؤرخو القرن التاسع عشر عمل تسلسل لها في شكل 3 مجموعات:
محاورات المرحلة المبكرة (السقراطية).
محاورات المرحلة الوسطى (الإنشائية).
محاورات المرحلة المتأخرة (الديالكتيكية).
أهم أعماله هي:
الدفاع عن سقراط.
لاخيس (حوار حول الشجاعة).
خارمنيدس (حوار حول المثابرة).
أيتيفرون (حول التدين).
بروتاجوراس (حول الفضيلة).
جورجياس (في نقد الأنانية).
كراتيل (حول اللغة، والهيراقليطية والاسمية).
مينون (حول إمكانية تعلم الفضيلة).
فايدروس (توضيح العلاقة بين الروح والفكرة).
تياتيت (حول المعرفة).
بارمنيدس (توشيح المنهج الجدلي).
السفسطائي (حول الوجود).
فيليب (حول الخير، والعلاقة بين اللذة والحكمة).
تيمايوس (فلسفة الطبيعة).
القانون (يعرض فيه إضافات لنظريته حول الدولة المثالية).
• فيدون (حول خلود الروح): يدور هذا الحوار في الحجرة التي كان سقراط ينتظر الموت فيها. لأن الحضور، وانطلاقًا مما كان يدَّعيه بأن الفيلسوف الحقيقي لا يخشى الموت، يدعو المعلِّم لكي يبرهن على خلود النفس. وهنا، يجري بسط أربع حجج أساسية:
• الحجة الأولى، التي تستند إلى وجود المفارقات، تقول إنه، انطلاقًا من الصيرورة المستمرة للأشياء، ليس في وسعنا فهم شيء ما (النوم مثلاً) دون الاستناد إلى نقيضه (اليقظة ليس حصرًا). ولأن الموت يبيِّن الانتقال من الحياة الدنيا إلى الآخرة، فإنه من المنطقي الاعتقاد بأن «الولادة من جديد» تعني الانتقال منه إلى الحياة. وبالتالي، إذا كانت النفس تولد من جديد، فإن هذا يعني أن التقمص حقيقة بالضرورة.
• أما الحجة الثانية، فهي تستند إلى تلك الأفكار التي ندعوها بالذكريات؛ لأن ما نواجهه في العالم الحسي إنما هو أشياء جميلة، لكنها ليست هي الجمال. لذلك ترانا نحاول تلمس هذا الأخير من خلال تلك الأشياء، التي باستحضارها تعيدنا حتمًا إلى لحظات من الحياة فوق الأرضية كانت روحنا فيها على تماس مباشر مع الطهارة.
• وتقول الحجة الثالثة إنه يمكن شَمْلُ كلِّ ما في الوجود ضمن مقولتين اثنتين: المقولة الأولى تضم كلَّ ما هو مركَّب (وبالتالي ممكن التفكك) أي المادة؛ والمقولة الأخرى التي تشمل ما هو بسيط (أي لا يمكن تفكيكه)، كجزء مما هو مدرَك، أي الروح.
•وعندما يلاحظ كيبيوس بأن سقراط، الذي برهن على إمكانية انتقال الروح من جسم إلى آخر، لم يبرهن على خلود هذه الأخيرة في حدِّ ذاتها، يجيبه سقراط من خلال عرض مسهب، يتطرق فيه إلى نظرية المُثُل، حيث يبيِّن في نهايته أن الروح لا تتوافق مع الموت لأنها من تلك العناصر التي ليس بوسعها تغيير طبيعتها.
وينتهي الحوار بعرض طويل لمفهومي العالم العلوي والمصير الذي يمكن أن تواجهه النفس: حيث ترتفع النفوس الأكمل نحو عالم علوي، بينما ترسب النفوس المذنبة في الأعماق السفلى. وتكون كلمات سقراط الأخيرة هي التي مفادها بأنه مدين في علمه لأسكليبيوس (إله الطب والشفاء) من أجل تذكيرنا رمزيًا بأنه يجب علينا شكر الإله الذي حرَّره من مرض الموت.
المأدبة (حول الحب): يبيِّن هذا الحوار، الذي جرى تأليفه في العام 384 ق م، كيف أن ولوج الحقيقة يمكن أن يتم بطرق أخرى غير العقل، وليس فقط عن طريقه: لأن هناك أيضًا وظيفة للـقلب، تسمح بالانتقال من مفهوم الجمال الحسِّي إلى مفهوم الجمال الكامل للمثال الجلي.
والقصة هي قصة الشاعر أغاثون الذي أقام في منزله مأدبة للاحتفال بنجاح أول عمل مسرحي له. وفي هذه المأدبة طُلِبَ من كلِّ المدعوين، ومن بينهم سقراط، أن يلقوا كلمة تمجِّد إله الحب – وخاصة أريستوفان الذي طوَّر أسطورة الخنثى البدئية. ويقوم سقراط من تقريظ الجمال، بمحاولة لتحديد طبيعة الحب، متجنبًا الوقوع في شرك الجدال، أخيرًا إلى حبِّ العلم. لأنه وبسبب كونه رغبةً في الخلود وتطلعًا إلى الجمال في ذاته، يقودنا الحبُّ الأرضي إلى الحبِّ السماوي. وهذا هو معنى ndel– الذي هو أحد أجمل الحوارات– لم تتدنَّ خلال تاريخ الفلسفة كلِّه: حيث نجد صداه، مثلاً، في العقيدة المسيحية للقديس أوغسطين، الذي كان يعتقد بأن «كلَّ فعل محبة هو، في النهاية، حب للإله».
الجمهورية: يشكل هذا الحوار، المجموع في عشر كتيبات تمت خلال عدة سنوات (ما بين أعوام 389 و369 ق م)، العمل الرئيسي لأفلاطون المتعلِّق بالفلسفة السياسية.
يبدأ سقراط بمحاولة تعريف العدالة استنادًا إلى ما قاله عنها سيمونيدِس، أي «قول الحقيقة وإعطاء كلِّ شخص حقه». هذا التعريف مشكوك في ملاءمته، لأنه يجعلنا نلحق الضرر بأعدائنا، مما يعني جعلهم بالتالي أسوأ وأظلم. كذلك أيضًا يستبعد تعريف السفسطائي ثراسيماخوس الذي قال بأن «العدل» هو ما ينفع الأقوى.
ونصل مع أفلاطون إلى التمعُّن في مفهوم الدولة العادلة – تلك التي تعني «الإنسان مكبَّرًا» – القائمة على مشاعية الأملاك والنساء، اللواتي لا يكون التزاوج معهن انطلاقًا من الرغبات الشخصية، إنما استنادًا لاعتبارات النسل – تلك المشاعية الخاضعة لمفهوم التقشف الصحي، أي المعادي للبذخ؛ تلك الدولة القائمة على التناغم والمستندة إلى فصل صارم بين طبقاتها الأساسية الثلاث التي هي: طبقة الفلاسفة أو القادة، وطبقة الجنود، وطبقة الصنَّاع – والتي هي على صورة التوازن القائم بين المكونات الثلاث للنفس الفردية. ونلاحظ هنا، من خلال العرض، أن الطبقة الدنيا (أو طبقة الصنَّاع) لا تخضع لمتطلَّبات الملكية الجماعية لأنها لن تفهمها انطلاقًا من مستوى إدراكها.
ويفترض سقراط أنه على رأس هذه الدولة يجب وضع أفضل البشر. من هنا تأتي ضرورة تأهيلهم الطويل للوصول إلى الفهم الفلسفي للخير الذي يعكس نور الحقيقة وينير النفس، كما تنير الشمس أشياء عالمنا (استعارة الكهف).
ذلك لأن الظلم يشوِّه، بشكل أو بآخر، كافة الأشكال الأخرى من الدول، التي يعدِّدها أفلاطون كما يلي: الدولة التيموقراطية (التي يسود فيها الظلم والعنف)، الدولة الأوليغارخية (حيث الطمع الدائم واشتهاء الثروات المادية)، الدولة الديموقراطية (حيث تنفلت الغرائز وتسود ديكتاتورية العوام)، وأخيرًا، دولة الاستبداد، حيث يكون الطاغية بنفسه عبدًا لغرائزه، وبالتالي غير عادل.
وأخيرًا فإن هذا المفهوم نسبي حيث أن العدالة لن تتحقق بالكامل، كما تصف ذلك أسطورة إرْ، إلا في حياة مستقبلية أخرى: حيث النفوس، وقد حازت على ما تستحقه من ثواب أو عقاب، تعود لتتجسد من جديد، ناسية ذكرى حياتها الماضية.
فلسفته
لقد أسس أفلاطون الفلسفة المثالية وعرف الفلسفة بأنها السعي الدائم لتحصيل المعرفة الكلية الشاملة التي تستخدم العقل وسيلة لها وتجعل الوصول إلى الحقيقة أسمى غاياتها
أوجد أفلاطون ماعُرِفَ من بعدُ بطريقة الحوار، التي كانت عبارة عن دراما فلسفية حقيقية، عبَّر من خلالها عن أفكاره عن طريق شخصية سقراط، الذي تمثَّله إلى حدِّ بات من الصعب جدًا التمييز بين عقيدة التلميذ وعقيدة أستاذه الذي لم يترك لنا أيَّ شيء مكتوب، بخلاف أفلاطون الذي ينسب إليه نحو أربعين كتابا، بينها سبع وعشرون محاورة موثوقة، في حين يعد الباقي إما مشكوكاً في نسبته إليه وإما منحولاً عليه بالكامل. وتتألق في الحوارات الأولى، المسماة «السقراطية»، صورة سقراط التي تتخذ طابعًا مثاليًاً؛ كما تتضح من خلالها نظريته في الصور المعقولة أو المثل التي هي أساس فلسفته.
Views: 1